«أرواد» .. جزيرة سورية الوحيدة والمدللة في المتوسط
تاريخها حافل .. وأسطورتان تتحدثان عن نشوئها
دمشق: هشام عدرة يسميها البعض «لؤلؤة البحر»، ويطلق عليها آخرون اسم «زمردة طرطوس».. إنها «أرواد» جزيرة سوريا الوحيدة في البحر الأبيض المتوسط، التي تقع مقابل شاطئ مدينة طرطوس وتبعد عنها حوالي ميلين. ورغم صغر حجم ارواد، إلا أنها تكتسب شعبية كبيرة، حيث يحرص كل زائر وسائح لمنطقة الساحل السوري أن يزورها، ففي زيارتها متعة تشاهد خلالها صناع القوارب التقليديين من أبناء الجزيرة يصنعون قواربهم الخشبية بشكلها البسيط، كما يوجد فيها حرفيون بارعون يصنعون شباك الصيد بشكل يدوي ليصطادوا من خلالها الأسماك البحرية، كما أن معظم سكان الجزيرة يمتهنون عملين رئيسيين فقط هما: الإبحار أو صيد السمك.
وتوجد في ارواد المقاهي البحرية الجميلة التي تتمتع بأجمل المناظر المطلة على البحر الأبيض المتوسط، وشاطئ مدينة طرطوس، كما تبدو الجزيرة متلألئة من شاطئ طرطوس ليلاً بأنوار زاهية، وخلال النهار سوف تبهرك بأبنيتها المتراصة وبيوتها البحرية الممتدة على طول الشاطئ.
ولعل الأجمل في مفردات الحياة اليومية لجزيرة أرواد هو الوصول إليها من (كراج) الجزيرة المتواضع في منطقة جنوبي شاطئ طرطوس، حيث هناك عشرات القوارب الصغيرة والكبيرة، التي تنقل الركاب بشكل دائم إلى الجزيرة، وهذه الطريقة تعتبر تقليدا يعود لعشرات السنين، فيمكن الذهاب الى أرواد لقاء مبلغ زهيد لقرب المسافة وبعد أن تتجول في أرواد وتعود الى طرطوس بالقارب الذي يكون قد تغير صاحبه بسبب الدور المنتظم الذي يحرص على التقيد به أصحاب هذه القوارب ومن اللافت هو عدم الدفع في الرجعة، وهذا تقليد متعارف عليه منذ أن نظمت حركة قوارب أرواد. وبالتالي لن تضيع أجرة القوارب مطلقاً، فالذاهب إلى أرواد سيعود حتماً ولن يبقى طوال عمره هناك. ويتم توزيع العائدات يومياً على القوارب حسب عدد الرحلات التي قاموا بها ذهاباً وإياباً. وإذا كانت أرواد تنفرد بتلك المزايا الجميلة فإن ما يميزها أكثر ويستقطب السياح بكثافة إليها أوابدها الأثرية فرغم صغر الجزيرة، إلا أنها تضم في أزقتها وحاراتها الضيقة أجمل الأوابد الأثرية، فهناك القلعة التي أصبحت متحفاً لآثار الجزيرة وللتقاليد البحرية، التي كانت معتقلاً لزعماء المقاومة الوطنية أيام الانتداب الفرنسي. كما تضم أرواد أسواراً ذات أحجار ضخمة تلتصق بأمواج البحر التي تضربها في الصباح والمساء، بالاضافة الى حوض الأشرعة ومرفئها القديم. بيوتها المتراصة على بعضها تشكل بحد ذاتها كنزاً تاريخياً أثرياً. وهناك تاريخها العريق الذي يؤكد ورغم صغرها أنها كانت في التاريخ القديم مملكة تتبع لها طرطوس وعمريت وتشرف على كل الشاطئ السوري. تذكر المصادر التاريخية أن أرواد كانت أيام الكنعانيين مملكة مستقلة باسم (أرادوس)، وثمة نصوص قديمة كثيرة تتحدث عن أهميتها في التجارة والملاحة. وكانت لقاء توفر لاهل الساحل ملجأ يهرعون إليه كلما اجتاحتهم الغزوات الآشورية، لا سيما لأهل عمريت الواقعة جنوبي طرطوس. وكان الارواديون يهتمون بالتجارة ووصل نشاطهم إلى نهر العاصي في لبنان والفرات، وأسهموا في تأسيس مدينة قرطاجة على الساحل الافريقي وأسسوا مدناً أسموها بنات أرواد جمعت بعدها في مدينة انترادوس (طرطوس الحالية) مقابل أرادوس (أرواد)، وورد اسم المدن وأرادوس في نقوش تل العمارنة كما ذكرت في حوليات ملوك أشور وفي جميع التواريخ الخاصة بالفينيقيين.
وتذكر المصادر التاريخية أن نشوء جزيرة أرواد يعود لأسطورتين يتم تداولهما: الأولى تقول إن شاباً ركب البحر في طلب الرزق ومرت الأيام ولم يرجع، فقلقت عليه خطيبته الحسناء وخرجت تسأل عنه في لهفة «كل عائد وذاهب»، حتى التقت برفيق له فأنبأها أنه ذهب ضحية جنيات البحر، فقد أحطن بمركبه ذات يوم وأخذن يتجاذبنه حتى غرق، لكن الفتاة المسكينة (خطيبته) لم تصدق وأخذت تبتهل للآلهة كي تعيد إليها حبيبها، ومضت الأيام وهي تندب حظها وتنشد أغاني الحنين وتنتظر الغائب حتى يعود، وكان الشاب أسيراً لعرائس البحر الماجنات، فسمعت ملكتهن بحزن الخطيبة المسكينة ولهفتها فرثت لحالها وبعثت لها مع طير الماء رسالة تقول لها إن غائبها سيعود إليها قريباً، ثم طلبت الملكة إلى إله البحر أن يصنع للخطيبين مكاناً يلجآن إليه في أمن من حادثات الزمن، فصنع لهما الإله الرحيم جزيرة ليست في غير بلاد الأحلام في موقعها، وهكذا وجدت أرواد على مقربة من الشاطئ السوري.
أما الأسطورة الثانية فتفيد بأن أرواد كانت ابنة شرعية للإله بعل ـ إله البر ـ وكان هناك يم (اله البحر)، والصراع قائم بين الإلهين، وأعجبت ارواد باله البحر (اليم) فهربت إليه وارتمت في أحضانه مؤثرة البقاء عنده إلى الأبد وما زال أبوها (بعل) يناديها إليه ولم تجب؟!.
تضم الجزيرة العديد من الأوابد الأثرية فهناك القلعة الساحلية (البرج الأيوبي)، وهو أول ما يشاهده الزائر لأرواد وهو في البحر عندما يقترب من الجزيرة. وللقلعة مدخل رئيسي واحد، ينفتح الباب على بهو وهذا بدوره يؤدي إلى باحة مكشوفة يصعد إلى السطح بواسطة سلم حجري ضيق ويزيد في تحصينها برجان من الجهة الغربية بالاضافة الى مرامي النبال. وهناك المرفأ ويقع في الجهة الشرقية من الجزيرة ويقسم إلى قسمين، كذلك هناك سور أرواد والقلعة المركزية التي تقع في وسط الجزيرة ويعود تاريخها إلى القرن الثالث عشر، يصعد عليها من درج جانبي لضرورات حربية وتسمى القلعة هذه معقل الأحرار، حيث اتخذها الاستعمار الفرنسي أثناء وجوده فيها سجناً للثوار وحولتها مديرية الآثار العامة متحفاً خاصاً للجزيرة.
من آثار أرواد أيضاً، هناك الحمام الأثري والصهاريج والآثار والمدفن اليوناني الموجود بجانب القلعة وفي زاويتها الجنوبية الشرقية.
الجهات المسؤولة في وزارة السياحة السورية ومحافظة طرطوس ووزارة الإسكان، أعدوا مخططات عمرانية للمحافظة على جزيرة أرواد بشكلها السياحي الفريد ونسيجها العمراني الجميل، فجاء المخطط ملبياً لذلك من خلال تفريغ ما حول القلعة والبرج الأيوبي وتحديد المسارات السياحية وإعادة إحياء وتوظيف الواجهة البحرية الغربية بما يخدم الاستثمار السياحي والحفاظ على الطابع الأثري وإنشاء مكسر للأمواج في الجهتين الشرقية والغربية، وذلك لحماية السفن وحماية الواجهات البحرية من العواصف، وإنشاء منطقة حرفية لتطوير صناعة السفن والمراكب.
كذلك تم استملاك 7 آلاف متر مربع من أراضي الجزيرة لصالح وزارة السياحة لإقامة فندق سياحي عليها. ووضعت دراسة سياحية لتوظيف الجزيرة بشكل أمثل سياحياً من خلال حماية البنية الطبيعية للجزيرة من التلوث والحفاظ على الموارد الأثرية والتاريخية فيها من التدهور ومعالجة النمو العشوائي للعمران، كذلك الأخذ بالحسبان الإطار الطبيعي للجزيرة من حيث المسافات الأرضية فيها وشواطئها والمناخ والتيارات البحرية والمياه الجوفية. وإشراك سكان الجزيرة في العملية التنموية السياحية للجزيرة ليكونوا شركاء في صناعة السياحة ودورها الاقتصادي والاجتماعي، كذلك الاهتمام بالنقل البحري من وإلى الجزيرة.